آداب التعامل بين الزوجين
إن الإسلام دين أدب وخلق ومعاملات، ولقد بين لنا الله عز وجل في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته آدابًا وأخلاقًا عظيمة تصلح البيوت، وتجمع القلوب، وتديم المحبة بين الزوجين، وقد كان صلى الله عليه وسلم زوجًا مربيًا معلمًا، يتعلم منه الناس كيف يصلحون أمور دينهم ودنياهم.
فهذه جملة من الآداب والأخلاق التي ينبغي للرجل أن يتحلى بها في بيته مع زوجته:1ـ المعاشرة بالمعروف، والإحسان إليهن:قال الله تعالى: {
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} [البقرة:228].
قال تعالى: {
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:34].
قال تعالى: {
وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ١٩].
قال ابن كثير رحمه الله:"{وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {
وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه؛ حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال "هذه بتلك" ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلًا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]
" ([1]).
2ـ القسط والعدل مع النساء:والذي يجب على الرجل تجاه زوجته أن يكون عادلًا معها، فلا يظلمها شيئًا من حقوقها، ولا يجحدها ما يجب لها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المقسطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا»
([2]).
قال النووي رحمه الله:"فمعناه أن هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة أو إمارة أو قضاء أو حسبة أو نظر على يتيم أو صدقة أو وقف، وفيما يلزمه من حقوق أهله وعياله ونحو ذلك, والله أعلم
"([3])فانظر كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر المقسطين عمومًا، ثم خص المقسطين مع أهليهم وما ولوا خصوصًا.
3ـ الرفق بهن وحسن الخلق معهن: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء"
([4]
).
4ـ حث الزوج زوجته على الطاعة وفعل الخيرات.5ـ تعليم النساء أمور دينهن، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر: قال الله تعالى: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
وقال تعالى: {
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [ الأحزاب:59].
قال الله تعالى: {
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طـه:132]
وعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة (وكان رحيمًا رفيقًا) فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: "ارجعوا فكونوا فيهم، وعلِّموهم، وصلُّوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم
"([5]
).
عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فإذا أوتر، قال: "قومي فأوتري يا عائشة"
([6]
).
وعن أم سلمة قالت استيقظ النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: "سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن، أيقظوا صواحبات الحجر، فرب كاسية فى الدنيا عارية فى الآخرة"
([7]
).
6ـ الصبر والتغاضي عن الزلات:ينبغي للزوج أن يغض طرفه قليلًا عن بعض أفعال وأقوال زوجته، ولا يكثر العتاب والتوجيه فيما يستحق وما لا يستحقق، وعليه كذلك أن يَعْلَم طباع زوجته ويحسن التعامل مع هذه الطباع.
ولنتأمل تلك المواقف في بيت النبوة؛ لنتعلم من سيد البشرية جمال وكمال الحياة الزوجية من عفو وصفح والتماس أعذار لزوجته:
ترسل أم سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عائشة بصحفة فيها طعام، فتغضب عائشة وتغير من فعلتها، فتضرب الصحفة فتفلقتها فلقتين، فيجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفلقتين مع الطعام بيده ويقول: "كلوا، غارت أمكم، كلوا غارت أمكم، فلما حضر طعام عائشة جاءت به في صحفتها فأكلوا، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفتها فبعث بها إلى أم سلمة، وبعث صحفة أم سلمة إلى عائشة رضي الله عنهما".
عن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة
([8]
)فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصفحة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: "غارت أمكم" ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرت
"([9]
).
وجاء في بعض الروايات أن التي كسرت الصحفة هي عائشة رضي الله عنها، وأن التي أرسلت الطعام هي أم سلمة رضي الله عنها.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم طباع أزواجه، وأن الغيرة أمر قد جُبلت عليه النساء، وتراه صلى الله عليه وسلم يقول: "غارت أمكم" اعتذارًا منه صلى الله عليه وسلم لئلا يُحمل صنيعها على ما يذم، بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة؛ فإنها مركبة في النفس بحيث لا يقدر على دفعها.
عن أم سلمة: "أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر
([10]
) ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة وقال: "كلوا، غارت أمكم، مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة عائشة
"([11]
).
7ـ الصبر على طباع الزوجة: ولما كان حب عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم حبًّا عظيمًا، جميلًا، وكانت تغار عليه أشد ما تغير النساء على أزواجهن، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من عندها ليلًا، فتغار عائشة عليه وتبحث عنه:
عن عروة أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم حدثته: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلًا، قالت: فغرت عليه صلى الله عليه وسلم، فجاء فرأى ما أصنع، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما لك يا عائشة أغِرتِ؟". فقلت: وما لى لا يغار مثلى، على مثلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقد جاءك شيطانك؟" قالت: يا رسول الله: أو معي شيطان؟، قال: "نعم"، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: "نعم"، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: "نعم، ولكن ربى أعاننى عليه حتى أسلم"
([12]
).
ويلاحظ كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول لعائشة: "أجاءك شيطانك؟" أي: هو الذي أوقع عليك أني قد ذهبت إلى بعض أزواجي، فأنت لذلك متحيرة، متفتشة عني، فترد عائشة الزوجة الحبيبة: "ومالي لا يغار مثلي على مثلك".
8ـ النهي عن التماس عثرات النساء: فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا، أو أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم
"([13]).
9ـ التحدث مع الزوجة والسمر معها:كأن يناديها باسمها الذي تحب، كأن يرقق اسمها: وكان صلى الله عليه وسلم ينادي عائشة رضي الله عنها بعائش، وهو ترقيق لعائشة.
عن ابن شهاب، قال أبو سلمة: إن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا: "يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام" فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى، "تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم"
([14]).
10ـ التعاون معها في أمور البيت ومشاغل الحياة إن أمكن:عن الأسود، قال: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: "كان يكون في مهنة أهله (تعني خدمة أهله) فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة
"([15]).
11ـ أن يهدي لزوجته هدية تحبها، فهو من البر بها، وحري أن يديم المحبة والود بينهما.12ـ الثناء على ما هي أهل له:وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني بالخير على خديجة وعائشة من زوجاته صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا: آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام
"([16]).
13ـ أن يوسع على أهله في المأكل والمشرب والملبس دون إسراف.14ـ أن يختار الكلام الطيب ويكثر منه.15ـ الصفح والعفو والتسامح فيما ليس فيه حق من حقوق الله.16ـ السلام عليهن إن دخل أو خرج:وكانت عائشة تصف ذلك في حادثة الإفك، مبينةً حال النبي صلى الله عليه وسلم في لطفه معها في مرضها، وسلامُهُ صلى الله عليه وسلم عليها إن دخل أو خرج.
17ـ التلطف وزيادة البر عليهن إن نزل بهن أمر من مرض أو غيره:تقول رضي الله عنها:
"فقدمنا المدينة فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرًا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيْء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف، الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم، ثم يقول: "كيف تِيكُمْ؟" فذاك يريبني، ولا أشعر بالشرِّ....."
([17]).
18ـ التنظف والتطيب والتجمل للزوجة، مما يدخل السرور عليها.19ـ التسمية قبل أن يأتي زوجته:عن ابن عباس رضى الله عنهما، قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم "لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتى أهله قال باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدَّر بينهما وَلَد فى ذلك، لم يضره شيطان أبدًا"
([18]).
20ـ العدل بين النساء إن كان عنده أكثر من زوجة:قال الله تعالى: {
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} [النساء:3]
وقال الله تعالى: {
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق:6]
عن أنس، قال: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع، فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة، فجاءت زينب، فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب، فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده....."
([19]).
أدب الزوجة مع زوجها:
1ـ طاعته فيما يأمر به، ما لم يكن فيه إثم.2ـ التجمل والتزين للزوج بما يدخل عليه السرور.3ـ التودد والتقرب للزوج بأطيب الكلام وحسن الخلق.4ـ أن لا تكثر السؤال عن أمور سكت عن الجواب عنها.5ـ أن لا تحمله ما لا طاقة له به من مأكل ومشرب وملبس وغيره.6ـ أن لا تُدخل في بيته من يكره إلا بإذنه.7ـ الحفاظ على ماله وسره.وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان رضي الله عنهما: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيكِ ويكفي بنيكِ
"([20]
).
8ـ الإحسان إلي أقاربه وصلتهم: وهو من البر بالزوج أن تبر أهله.
9ـ التغاضي عن زلاته وعيوبه: فالمرأة ينبغي لها أن لا تكثر العتاب، ولا تراقب في الكلمات والزلات، بل تكثر العفو الصفح
.10ـ الصفح والمغفرة وقله العتاب: وهذا من الخلق الجميل في الزوجة، أن تكون قليلة العتاب وكثيرة الصفح.